تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  كما ذكرنا - فهو غاية ما يمكن من معرفة كنهها. ولهم في تقرير هذه الطريقة كلام مبسوط، وأدلة كثيرة، وسيأتي الكلام عليها في موضعها إن شاء الله.
  والمقصود هنا إبطال قول من قال: إن النظر لا يفيد العلم بالله تعالى لعدم إمكان تصور ذاته. والله الموفق.
  وإذا ثبت بما قررنا أن النظر يولد العلم، فاعلم أنه لا يولده إلا إذا وقع في دليل، أو طريقة نظر.
  فالأول: أن ينظر في ذات فيحصل له العلم بذات أخرى، كأن ينظر في العالم(١) فيحصل له العلم بالصانع، أو ينظر في صفة لذات فيحصل له العلم بصفة لذات أخرى، كالنظر في كوننا قادرين عند صحة الفعل فإنه يحصل لنا عنه العلم بكون الله تعالى قادراً.
  والثاني(٢): أن ينظر في صفة لذات فيحصل له العلم بصفة أخرى لتلك الذات كالنظر في كونه تعالى قادراً فإنه يولد العلم بكونه حياً. وإنما حصروا توليد النظر للعلم على تعلقه بهذين الأمرين؛ لأنه لا يمكن النظر في غيرهما؛ إذ لا يخرج النظر عن تعلقه بذات، أو بذات على صفة، أو بذات على حكم. ولتوليده للعلم شروط:
  أحدها: أن يكون الناظر عاقلاً، ووجهه أنا نعلم من حال الصبيان
(١) النظر في الحقيقة في حدوث العالم لا في العالم نفسه ففي الكلام تجوّز. تمت مؤلف.
(٢) وهو النظر في طريقة النظر. تمت مؤلف.