تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  تصوره بوجهٍ مَّا بكنه حقيقته، وإما بأمر صادق عليه، فإنا نحكم على أشياء لا نعرف حقائقها، كما نحكم على واجب الوجود بالعلم والقدرة، وعلى شبح رأيناه من بُعد بأنه شاغل للحيز المعين، فلو كان الحكم مستدعياً لتصور المحكوم عليه بكنه حقيقته لم يصح منا أمثال هذه الأحكام. فهذا كلام من لا ريب في تقدمه في هذا الفن، ولم أقف على خلافه لأحد من علماء هذه الصناعة، ولا أظن القائل بخلافه إلا من يريد التلبيس، وإذا كان لا يشترط تصور الحقيقة فلا مانع من القول بالتصور منا في حقه تعالى بأمر صادق عليه، وهو كونه محدثاً - بالكسر - بأن نقول: قد ثبت أن كل محدث - بالفتح - لا بد له من محدث فيتصور المحدث - بالكسر - من حيث هو، ثم نحكم بثبوت محدث العالم جل وعلا بعد هذا التصور الجملي، وهذا لا محذور فيه؛ لأنه لا يمتنع في حقه تعالى إلا تصور حقيقته، وقد أجازوا تصور المستحيل بوجهٍ مَّا كما مرَّ. هذا وأما القائلون بأنا مكلفون بمعرفة حقيقة ذاته، وأن معرفتها ممكنة فلهم في بيان كون معرفة ذاته ممكنة طرق: منها: ما ذكره الإمام المهدي #، وحاصلها أنا إذا جوزنا لذاته تعالى مزية يعلمها هو ولا نعلمها نحن، وليست تلك المزية إلا الصفة الأخص، ونحن قد علمنا ثبوتها له، وحكمها وهو أنه خالف بها مخالفه، واقتضت له وجوب الأربع، وأنها لا تتعلق بها المدركية لا منّا ولا منه تعالى، وأنها ثبتت على سبيل الوجوب(١)، وإذا علمناها
(١) أي لا لمؤثر ولا لما يجري مجراه. تمت مؤلف.