مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2148 - الجزء 4

  التعبير عنه؛ إذ العلم بالعبارة علم زائد لا يلزمهم. والله أعلم.

  والجواب عن الوجه الرابع: أن تشديدات السلف محمولة على التعمق والتكلف لمعرفة ما لا طريق لنا إلى معرفتِه، وهو التفكر في الذات، والتعمق في تفاصيل الصفات، وقد مرَّ من كلام أمير المؤمنين # النهي عن ذلك، وأنه لا طريق إلى معرفة صفات الباري تعالى كما لا طريق إلى معرفة ذاته، وأما ما ذكر من الوصية فلا حجة فيه؛ لأن الوصايا محمولة على العرف، وأما قول القائل: إنه لو أوصى للعلماء لم يدخل المتكلم فتهافت ومجازفة، وكيف يمنع دخولهم وهم العلماء على الحقيقة؛ لأن من لم يعرف الله فلا اعتداد بعلمه، بل لو قيل: إنهم المختصون بها لكان هو الصواب، وقد فسر قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}⁣[فاطر: ٢٨] على الحقيقة. والله أعلم.

  والجواب عن الوجه الخامس: بأنا نعلم إدراكنا لبعض المدركات بالنظر ضرورة كما نعلم أنا نروى بالماء، ونشبع بالطعام. وأما قولهم بإدراك الإمام والشيخ⁣(⁣١) بالاستخراج مما ذكروا - ففاسد، وإنما ذلك دعوى منهما عليكم مجردة عن الدليل، ثم نقول: ما الفرق بينكم وبينهما حيث أدركا ذلك ضرورة دونكم، وهما من جملتكم وأنتم قادرون مثلهما، ولو نظرتم في صحة هذه الدعوى لعرفتم بطلانها، لكنكم لم تنظروا لاعتقادكم قبح النظر، وعدم إفادته للعلم عندكم، وإلا فالمعلوم عند جميع العقلاء بطلان كل دعوى لا دليل عليها، وقد قررنا ذلك في المقدمة بما فيه منية الراغب، ونهاية الطالب.


(١) المراد بالإمام إمام القرامطة، وبالشيخ شيخ الصوفية، والتعليمية فرقتان من الباطنية وغيرهم وهم القرامطة والصوفية. تمت مؤلف.