مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2147 - الجزء 4

  وأما حديث: (تفكروا في الخلق) فهو حجة عليهم واضحة إذ أمر فيه بالنظر، وإنما نهى عن التفكر في ذات الله تعالى، وأما حديث: (إذا ذكر القدر فأمسكوا) فهو نهي لمن يخاف عليه الالتباس والشبهة، وعدم الاهتداء إلى الحق عن أن يخوض فيه؛ إذ البقاء على الفطرة أسلم، كما قال علي # وقد سُئِلُ عن القدر: (بيت مظلم فلا تدخلوه) أو كما قال، وإنما خصينا النهي بمن ذكر لأن أمِير المؤمنين (خليك قد خاض في القدر، وتكلم فيه مع الشامي، وقد مرَّ.

  والجواب عن الوجه الثالث: أنا لا نسلم أن الصحابة لم يتكلموا ولم ينظروا، وكيف وأول من أسس هذا الفن، ومهد قواعده أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة، وكلامه بذلك مشهور مزبور، وقد مرَّ منه درر ولآلئ في كتابنا هذا، وهو كلام باهر ظاهر، جارٍ على قواعد المتكلمين، وأهل النظر، ولا غرو فهو إمام الأمة، والمبين لكل مدلهمة، وأما غيره من الصحابة فإن عنيتم أنهم لم يستعملوا ألفاظ المتكلمين، فمسلم، لكنه لا يلزم منه القدح في علم الكلام؛ فإنهم لم يستعملوا ألفاظ الفقهاء، ولم يلزم منه القدح في الفقه، وإن عنيتم أنهم ما عرفوا الله بالدليل فبئس ما قلتم، وقد كان غالب الصحابة كعوام سائر الناس لا يهتدون إلى معرفة الدقائق وتفاصيل الأدلة، لكنه قد حصل لهم القدر الكافي من النظر، على ما قررناه سابقاً من الاكتفاء بالنظر المؤدي إلى العلم الجملي، والعجز عن التعبير على اصطلاح المتكلمين لا يقدح في معرفتهم، فإن المقصود العلم بالدليل والاستدلال به، وإن لم يحسن