المسألة الثامنة [في ذكر ما يتفكر فيه]
  ومعدة، ومعا، وغير ذلك مما لا تتم أفعاله ولا تزكو أحواله من دونه، أو لا يصح بقاؤه، ونشوءه، ونماؤه إلا به، ثم رأيناه يزيد شيئاً فشيئاً حتى يبلغ أشده، ويعطى العقل الكامل الذي به يعرف مصالحه فيدنياه وآخرته، وكل ما ذكرنا فآيات بينات، ودلالات واضحات على حدوث الإنسان واحتياجه إلى محدث أحدثه، وصانع صنعه، ومؤثر أثر فيه، وقد مرَّ أن احتياج الأثر إلى المؤثر معلوم ضرورة، وما أحسن ما قال القاسم بن إبراهيم # لولده الحسن، ونبهه عليه، من الطريق الموصلة إلى العلم بخالقه: ألا ترى يا بني، أن من رأى كتاباً علم أن له كاتباً، وأن من كتبه عنه غائب، وكذلك من رأى أثراً علم أن له مؤثراً، وصورةً ما كانت علم أن لها مصوراً، أو سمع منطقاً علم أن له ناطقاً، وكذلك ما يري من هذ الخلق العجيب، فقد يوقن من نظر وفكر أن له خالقاً ليس له مثل ولا شبيه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ٧٣}[الحج]. قال #: يخبر تعالى أنه لن يفعل أحد فعله، وكيف يفعل ذلك من ليس مثله، وإِنما يكون تشابها لأفعال بين النظراء والأمثال.
  الوجه الثاني: أنا نعلم بالضرورة وجودنا أحياء قادرين، عالمين، ناطقين، مدركين، بعد أن لم نكن شيئاً، وأن أول وجودنا كان نطفة قذرة، مستوية الأجزاء والطبيعة غاية الاستواء، بحيث يمتنع في عقل كل عاقل أن يكون منها بغير صانع حكيم ما يختلف أجناساً، وأنواعاً، وأشخاصاً.