تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  الوجه الثالث: أن كل أحد يعلم بالضرورة أنه ما كان موجوداً، ثم صار الآن موجوداً، وأن كل ما وجد بعد عدم فلا بُدَّ له من موجد، وذلك الموجد ليس هو نفسه، ولا الأبوان، ولا سائر الناس، ولا غيرهم من سائر أنواع الأجسام والأعراض؛ لما تقرر من عجز الخلق عن مثل هذا التركيب، وذلك معلوم ضرورة، فلا بد من موجد يخالف هذه الموجودات، وهو الله رب الأرض والسماوات.
  فإن قيل: لِمّ لا يجوز أن يكون المؤثر طبائع الفصول والنجوم والأفلاك؟
  قيل: لا تخلو هذه الأشياء إما أن تكون جسماً، أو عرضاً، أولا أيهما، فإن كان جسماً أو عرضاً فلا يصح منه الإحداث كما مرَّ في الفاتحة، وإن لم يكن أيهما فلا يعقل، وما لا يعقل وجب نفيه.
  وقال المؤيد بالله في الزيادات في الطبع: إن سلمنا وجوده لا يحصل به الشيء على قدر الحاجة، وإنما يكون بمقدار قوته وضعفه، ألا ترى أن النار تحرق لا على قدر الحاجة، بل على قدر قوتها، وتنقص عن الحاجة إذا ضعفت، وكذلك الماء الجاري، والحكيم يجريه ويقطعه على قدر الحاجة.
  قال في إيثار الحق: وفيه تنبيه حسن على الفرق الجلي.
  واعلم أن علمنا بأن الله تعالى الذي خلق من قبلنا كعلمنا بأنه الذي خلقنا؛ لأن طريقة العلم بذلك واحدة؛ ولذلك كان الاستدلال على إثبات الصانع بالأمرين، مع ما في ذلك من التذكير بالنعمة العظيمة، وهي خلق أصولهم، وما ألقاه في قلوبهم من التحنن