تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  بالدليل الآخر على حل تلك الشبهة. وقال القرشي: يجوز أن يجب ذلك سمعاً لجواز أن يكون فيه لطفٌ.
  قال الإمام عز الدين: يعني فإذا علم تعالى أنا إذا نظرنا في دليل آخر كان مقرباً لنا إلى فعل واجب وترك قبيح أوجبه علينا؛ إذ قد حصل وجه الوجوب، وكان واجباً شرعياً، وذلك داخل في الإيجاب؛ لا يقال: إذا كان كذلك فهلا عرف كونه لطفاً بالعقل؛ لأنا نقول العقل لا يهتدي إلى تعيين الألطاف كالواجبات الشرعية، فلا يلزم ذلك.
  قلت: ومن الأدلة السمعية القاضية بالوجوب قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ١٠١}[يونس] فأمر بالنظر فيما اشتملت عليه السماوات والأرض من الآيات، وذم من لا ينتفع بتلك الآيات، وهو معنى الوجوب، وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: ٥٣] فأخبر أنه يظهر لهم الآيات المذكورة، ولا فائدة لإظهارها إلا إذا كان النظر فيها مطلوباً منهم، وهو معنى الوجوب، بل قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} صريح في أنه لم يرهم تلك الآيات إلا ليعرفوا بها الحق، ومعرفة الحق من الآيات لا تكون إلا بالنظر فيها، والنظر واجب، وقد مرَّ دليله؛ ولقائل أن يقول؛ المطلوب من المكلف تحصيل العلم، فإذا حصل له بالنظر في بعض الأدلة فلا وجه لوجوب طلبه ثانياً، بل يستحب ذلك لزيادة الطمأنينة والاحتياط، والآيتان واردتان في ذم من لم يؤمن مع كثرة الأدلة؛ لا في وجوب النظر في كل دليل. والله أعلم.