تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  أحلناه هنالك لأن الجواب بنعم أو بلا ينقض أصلاً، قد تقرر، كما مر فى الفاتحة(١) وليس هذا كذلك؛ لأنه لم يتقرر نفي الثاني ولا ثبوته، فصحت الإجابة بنعم على من قال: إذا قدرنا وقوع التمانع بين الإلهين، هل يدل على نفي الثاني لأنا لم ننقض أصلاً قد تقرر، وقال النجري في جواب هذا السؤال: صحة وقوع المحال محال مطلقاً؛ لأن المراد بهذه الصحة هو نقيض الاستحالة ووقوع المحال مستحيل، ولو وصف بالصحة التي هي نقيض الاستحالة لوصف بالنقيضين وهو محال.
  قال: وأما قول أصحابنا بصحة فعل الله تعالى للقبائح، وأن تلك الصحة لا توصف بالاستحالة، وإنما المستحيل هو الوقوع - فمرادهم صحة الفعل، وهو الحكم المقتضَى عن القادرية، لا الصحة التي هي نقيض الاستحالة؛ ألا تراهم يقولون: إن فعل الله للقبائح صحيح من جهة القادرية، مستحيل من جهة الحكمة، فظهر أن بين الصحتين فرقاً، وأن صحة وقوع المحال محال مطلقاً.
  فإن قيل: هما قادران للذات فمقدورهما واحد، وإذا اتحد لم يصح بينهما التمانع، كما أن الواحد منا لا يصح منه ممانعة نفسه.
  قيل: لنا في الجواب عن ذلك طرق:
  أحدها: ما أجاب به أبو إسحاق بن عياش، وهو أن من حق كل قادرين تغاير مقدورهما، سواء كانا قادرين للذات أم لمعنى؛ لأن دليل
(١) في مسائل الحمد لله. تمت مؤلف.