مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2195 - الجزء 4

  قيل: لو سلم ذلك فهو حجة عليكم؛ لأنه لا يحصل الفزع، والإلتجاء إلا إلى القادر على الممكنات، العالم بالمعلومات، على ما مرَّ في الثانية من مسائل الاستعاذة، ولا يتحير العباد إلا فيما لم يمكن معرفة كنه ذاته، وليس ذلك إلا الله تعالى، وأما الأوثان فمعرفة ذواتها ممكنة، بل هي عند المتخذين لها مشاهدة مركبة.

  الوجه الثاني: أن تسميتها آلهة وعبادتها تعظيم لها، وهي لا تستحق التعظيم، وقد ثبت أن تعظيم من لا يستحق التعظيم قبيح كما مرَّ في الفاتحة.

  فإن قيل: لا نسلم أنها لا تستحق التعظيم.

  قيل: التعظيم لا يكون إلا لأمر صدر من المعظم، وذلك الأمر إما نعمة عظيمة لا يقدر عليها غير ذلك المنعم كالإنعام بأصول النعم، وفروعها التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وهذا هو الذي يستحق به العبادة، أو امتثال وانقياد للمنعم، وخضوع وتذلل له، وهذا هو الذي يستحق لأجله التعظيم بالإجلال والثواب، وعلو المنزلة كما يفعل الله بالمؤمنين في الجنة، أو لإنعام غير كامل كتربية الأولاد، والإحسان إلى الغير، وهذه النعم لا شك أن المنعم بها يستحق ضرباً من التعظيم، ولذا وجب بر الوالدين، وشكر المحسن على إحسانه، لكن لا يبلغ بهذا التعظيم مبلغ العبادة، وهو نهاية الخضوع والتذلل، وليس ثمة قسم رابع يستحق به التعظيم، وهذه الأوثان لا تستحق التعظيم بوجه من هذه الوجوه، فوجب قبح عبادتها، وتعظيمها، وتسميتها آلهة؛