تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  الشبهة الثانية: أن الفاعل المختار لا يفعل إلا لنفع نفسه أو دفع مضرة عنه، والقديم يستحيل عليه ذلك، فيلزم أن لا يكون ثمة قديم مختار، بل ذو طبع، وإذا كان موجباً لم يوجب الضدين فلا بُدَّ من أصلين.
  والجواب: بل يصح أن يفعل للحسن فقط كما مر في الفاتحة، وأول هذه السورة، فلا مانع من قديم مختار.
  واعلم: أن أصحابنا قد ألزموا الثنوية بالزامات لا محيص لهم عنها، منها: أن أحدنا يعلم أنه كاذب فمن الذي يعلم ذلك، فإن قالوا: النور فقد وصفوه بالكذب وهو شر، وإن قالوا: الظلمة فقد وصفوها بالخير وهو العلم، وليس لهم أن يقولوا إن العالم أحدهما والكاذب الآخر؛ لأن كلامنا في شخص واحد، ومنها: أن أحدنا يسيئ، ثم يعتذره، فمن المسيء ومن المعتذر، فإن قالوا: النور فقد وصفوه بخصلة من خصال الشر وهي الإساءة، وإن قالوا: الظلمة فقد وصفوها بخصلة من خصال الخير وهي الاعتذار.
  فإن قالوا: المعتذر النور، والمسيء الظلمة.
  قلنا: قد وصفتم النور بالشر؛ لأن الاعتذار من غير إساءة قبيح.
  فإن قالوا: لا نسلم القبح، فإن الوالد يعتذر من إساءة ولده، والراكب من رفس فرسه والإساءة منهما.
  قلنا: بل الوالد يعتذر من إساءته بترك تأديب ولده، والراكب يعتذر من إساءته حيث لم يحفظ دابته، ومنها: أن الواحد منا يغصب ثم يرد،