مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2201 - الجزء 4

  فاستحال وقوعهما من واحد، كما يستحيل التسخين والتبريد، والتبييض والتسويد من واحد، فلا بد من أصلين؛ ويزيده وضوحاً أن النار يصدر عنها التسخين ولا يصدر عنها ضده الذي هو التبريد، وكذلك الثلج لا يصدر عنه إلا التبريد.

  والجواب: أنا لانسلم أن الملاذ كلها حسنة، ولا أن الآلام كلها قبيحة، بل في كل منهما ما يحسن ويقبح؛ لأن حسن الفعل وقبحه إنما يكون لوقوعه على وجه، ولهذا فإنه يحسن تحمل المشقة لطلب العلوم والأرباح، وفعل الحجامة والفصد طلباً للنفع، ويقبح منا الانتفاع بالأشياء المغصوبة مع عدم المشقة في ذلك.

  قولكم: الخير والشر ضدان.

  قلنا: لا نسلم ذلك، بل هما من جنس واحد كما بينا، وإنما يفترقان باعتبار الوجوه التي تقع عليها الأفعال؛ ألا ترى أن الفصد يقبح إذا وقع ممن لا ينتفع به، ويحسن إذا وقع من المنتفع، سلمنا فوجود الضدين يصح من الفاعل المختار على جهة التعاقب⁣(⁣١)، أو مع اختلاف المحل فإن الجسم الواحد يتعاقب عليه السواد والبياض، وبعد، فإنه يجوز في الفاعل الواحد أن يكون موصوفاً بالخير والشر في وقتين، فهلاً جاز منه أن يفعل الألم في وقت واللذة في آخر، فلا يحتاج إلى فاعلين؛ ثم إن عمدتهم في هذا قياس الفاعل على العلة، وهو باطل؛ لظهور الفارق، فإن هذا مختار وهي موجبة.


(١) وهذا ضروري، فإنه يصح منه أن يحرك ويسكن، ويجمع ويفرق، ويعلم ويجهل. تمت مؤلف.