تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  ويجعلون ذلك وسيلة إلى مقاصدهم، وسبباً إلى نيل أغراضهم، ويتصرفون في الكلام على البديهة تصرفاً عظيماً، جعل الله لهم ذلك غريزة وطبعاً، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كل سبب، ويمدحون ويذمون، ويرفعون ويضعون، ويجرئون الجبان، ويبسطون يد الجعد(١) البنان، ويصيرون الناقص كاملاً، ويتركون النبيه خاملاً، إلى غير ذلك من التصرفات الدالة على اهتمامهم بأمر الفصاحة والتوصل بها إلى الأغراض المهمة، والتفاخر بها في المحافل؛ وكل ذلك دليل على أن وجه إعجاز القرآن هو فصاحته الخارقة لعادتهم.
  وقال بعض المعتزلة: وجه إعجازه ما اشتمل عليه من حسن النظم، وهو التأليف المخالف لأسلوب العرب في السجع، والرجز، والشعر، والكلام المنثور، فإن من نظر في مطالعه التي هي فواتح السور، وقواطعه وفواصله علم أنها وقعت على وجه لم يعهد في كلامهم، وأنهم كانوا عاجزين عنه، وهذا هو الظاهر من كلام الباقلاني والأصبهاني، واحتجوا بوجهين:
  أحدهما: أنه لا يمكن معرفة إعجازه من أصناف البديع التي أودعوها في الشعر؛ لأنها ليست بخارقة، بل يمكن تعلمها وإدراكها بالتدريب كالشعر والخطب والرسائل، ولها طرق تسلك إليها بخلاف نظم القرآن وأسلوبه؛ فليس له مثال يحتذى، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا.
(١) أي البخيل، وأصل الجعد بفتح الجيم وسكون العين الشعر الذي ليسٍ بمسترسل فاستغير للبخيل كما يقال: فلان منقبض اليد. والمعنى أنهم يصيرون البخيل كريماً. تمت مؤلف.