مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الأولى [دلالة الآية على البعث]

صفحة 2339 - الجزء 4

  وإما عن إمكانه، فأما البحث عن وقوعه فعندنا أنه يصح إثباته بالدليل العقلي، والسمعي؛ أما الدليل العقلي فقد مرَّ في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}⁣[الفاتحة]، وفي الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ ...} الآية [البقرة: ٦].

  وأما السمع فالقرآن مشحون بذكره، وهو معلوم من ضرورة الدين. وقال الرازي: لا سبيل إلى معرفته إلا بالعقل، وهو مبني على نفي الحسن والقبح العقلي، وأن الثواب غير واجب، ولا مستحق للعبد، بل يجوز من الله تعالى أن لا يثيب المطيع ولا يقبح منه، وقد مِرَّ إبطال ما بنوا عليه في مواضعه، على أنه قد مرَّ عنه في {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}⁣[الفاتحة] الاستدلال على الوقوع بالعقل، وذكره أيضاً في هذا الموضع واستشهد له بقوله: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ١٥}⁣[طه] وغيرها.

  وأما الإمكان فيجوز إثباته بالعقل والنقل عندنا وعند الأشاعرة؛ أما العقل فلأنه لا استحالة فيه، وقد نبه الله على الطرق العقلية الموصلة إلى ذلك في مواضع من كتابه، وقد أشرنا إليها في سياق قوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤}⁣[البقرة].

  وأما السمع فلأنه قد أخبر بوقوعه الصادق العدل الحكيم على لسان رسوله المنزه عن كل خلق ذميم، وما هذا حاله وجب التصديق به واعتقاد إمكانه؛ إذ لا يجوز من الحكيم الإخبار بوقوع المستحيل. والاستدلال بالسمع على هذه المسألة جائز؛ لأنه لا يتوقف صحة السمع على العلم بها؛ ولهذا فإن الله تعالى تارة يخبر عن البعث