تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  سلمنا، فلا نسلم أن الثواب والعقاب جاريان مجرى اللطف في وجوب وقوعهما على أبلغ الوجوه، وإلا لوجب أن يكون وعد كل مطيع بمثل ثواب الأنبياء، ووعيده كل عاصٍ بمثل عقاب آل فرعون؛ لأن ذلك أبلغ في الزجر والترغيب، والمعلوم خلافه، وإذا بطل هذا الأصل بطل ما بني عليه.
  قيل: أما وجوب اللطف فقد مرَّ دليله في الفاتحة، وكون الثواب والعقاب جاريين مجراه يعلم من هنالك، وأما اللازم الذي ذكرتم فلا يلزمنا؛ لأنا إنما أردنا أن القدر المستحق من الثواب والعقاب يجب أن يكون على أبلغ الوجوه، وأما الزيادة عليه فهي قبيحة إلا على جهة التفضل من دون استحقاق تعظيم زائد على المستحق أو عقاب زائد كذلك؛ لأن الأول سفه والثاني ظلم؛ فثبت بما قررنا استحالة اجتماع الثواب والعقاب، ويترتب عليه استحالة اجتماع استحقاقهما.
  الوجه الثالث: مما يدل على تنافي الثواب والعقاب ما ذكره أبو هاشم.
  وهو أنا نعلم ضرورة أن من أحسن إلى غيره بضروب الإحسان ثم كسر المحسن على ذلك الغير رأس قلم فإنه لا يستحق ذماً من جهته، بل لو ذمه لأجل ذلك لذمه العقلاء وعدوه لئيماً جاحداً للنعم، ولولا تقدم ذلك الإحسان لما استقبحوا منه ذمه لكسر قلمه؛ فدل على أن استحقاق المدح والذم متنافيان، فكذلك يكون الحكم في استحقاق الثواب والعقاب، بل هما أولى، وإذا ثبت التنافي ثبت التحابط.
  واعترضه الرازي فقال: لا نسلم أن المانع من الذم هنا تقدم استحقاق المدح، وإنما منع منه كونه قد صار معارضاً باستحقاق الشكر،