المسألة العاشرة [في رزق الدنيا والآخرة]
  وقيل: المعنى هذا الذي وعدنا في الدنيا أن نرزقه في الآخرة؛ وعلى هذا فلا دلالة في الآية على ما ذكره الموفق بالله؛ بل كلام المرتضى صريح في منعه؛ لما علل به من تأديته إلى عدم التفاضل، وقد استدلَّ بعضهم على عدم اشتراط ذلك(١) بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة: ١٧].
  وروى الموفق بالله عن علي # في تفسيرها أنه قال: (من أخفى لله طاعة أخفى له ثواباً). ويرجح ما ذهب إليه الموفق بالله بوجهين:
  أحدهما: أن الجنة دار التلذذ والنعيم الخالص، ومعلوم أن الإنسان إلى ما قد ألفه أميل منه إلى غيره، بل ربما نفر طبعه عن غير المألوف.
  الثاني: أن كلما للتكرار، فلا بد وأن يقولوا هذا القول عند كل مرة من مرات الرزق، ومنها المرة الأولى، ولا يكون عند المرة الأولى شيء من أرزاق الجنة حتى يشبه به ذلك؛ فثبت أن حمل المتشابه على أثمار الدنيا أرجح، وهو الذي قواه الزمخشري؛ وما أحسن ما قاله في بيان الغرض في تلك المشابهة وترجيح هذا القول، ولفظه:
  فإن قلت: لأي غرض تتشابه ثمر الدنيا وثمر الآخرة؟ وما بال ثمر الجنة لم يكن أجناساً أُخَر؟
  قلت: لأن الإنسان بالمألوف آنس، وإلى المعهود أميل، وإذا رأى مالم يألفه نفر عنه طبعه وعافته نفسه، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد وتقدم له معه إلف، ورأى فيه مزية ظاهرة
(١) أي كون الثواب من جنس ما قد تصورناه. تمت مؤلف.