تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها و
  وفضيلة بينة، وتفاوتاً بينه وبين ما عهد بليغاً - أفرط ابتهاجه واغتباطه، وطال استعجابه واستغرابه، وتبين كنه النعمة فيه، وتحقق مقدار الغبطة به؛ ولو كان جنساً لم يعهده - وإن كان فائقاً حسب أن ذلك الجنس لا يكون إلا كذلك، فلا يتبين موقع النعمة حق التبين؛ فحين أبصروا الرمانة من رمان الدنيا ومبلغها في الحجم، وأن الكبرى لا تفضل عن حد البطيخة الصغيرة، ثم يبصرون رمانة الجنة تشبع السكن، والنبقة(١) من نبق الدنيا في حكم الفلكة، ثم يرون نبق الجنة كقلال هجر. كما رأوا الشجرة من شجر الدنيا وقدر امتداده، ثم يرون الشجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعه كان ذلك أبين للفضل، وأظهر للمزية، وأجلب للسرور، وأزيد في التعجب، من أن يفاجؤا ذلك الرمان وذلك النبق من غير عهد سابق بجنسهما؛ وترديدهم هذا القول، ونطقهم به عند كل ثمرة يرزقونها دليل على تناهي الأمر، وتمادي الحال في ظهور المزية، وتمام الفضيلة، وعلى أن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستملي تعجبهم، ويستدعي تبجحهم في كل أوان.
  هذا: وأما قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة: ١٧] وكلام الوصي # فقال الموفق بالله: المراد به تفاصيل الثواب التي لا يعلمها كثرة وعظماً وموقعاً إلا الله سبحانه.
(١) ثمر العلب. تمت مؤلف.