المسألة الأولى [الحياء في حقه تعالى]
  ما جاء من القرآن من الصفات ونروي ما جاء في السنة منها ونمسك عن القال والقيل فيها مع اعتقاد كون تلك الصفات في غاية الجمال، مجردة عن صفة النقص والتشبيه والتعطيل، وإلى هذا مال جماعة من المتأخرين، منهم السيد محمد بن عز الدين المفتي، ودليلهم نحو قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}[طه] وما مرَّ في مواضع عن أمير المؤمنين # من أن العقول لا تدرك كنه صفته كما لا تدرك كنه ذاته.
  القول الثاني: أنه يجب تأويل ما هذا شأنه؛ لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب، وفيها الحقيقة والمجاز، فما صح في العقل نسبته إلى الله تعالى نسبناه إليه، وما استحال أولناه بما يليق به تعالي، كما نأول ما نسب إلى غيره مما لا يصح نسبته إليه، وهذا قول الأكثر، ولهم في تأويل الاستحياء المنسوب إليه سبحانه أقوال:
  أحدها: أن يرجع في تأويله إلى القانون الذي ذكرناه في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] الشامل للأعراض النفسانية فنقول: الحياء حالة تحصل للإنسان لها مبدأ، وهو التغير الجسماني الذي يلحقه من خوف أن ينسب إلى القبيح، ومنتهى وهو ترك ذلك الفعل، فإذا ورد في حق الله تعالى حمل على ترك الفعل الذي هو منتهى الحياء وغايته؛ وعلى هذا فيكون معنى الآية: إن الله تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة كما يتركه من يستحي أن يمثل بها. وهذا قول جماعة من العلماء منهم الزمخشري، وهو ظاهر كلام الهادي، والمرتضى، فإنهما حملا الحياء في الآية على أنه تعالى لا يرى في التمثيل بما صح