مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2438 - الجزء 4

  الشبهة الثانية:

  قالوا: لو كان الباري تعالى مريداً بإرادة محدثة لكان قد حصل على هذه الصفة بعد أن لم يكن عليها، فيجب أن يكون قد تغير كالمحل إذا كان أسوداً ثم ابيضَّ.

  وأجيب: بأنكم إن أردتم بالتغير أنه حصل على هذه الصفة بعد أن لم يكن عليها، فهو قولنا، ولا يسمى تغيرًا، فإن حصول الذات على صفة لم تكن لا يوجب تغيرها؛ ألا ترى أنه تعالى لم يكن مدركا فيما لم يزل، ولا فاعلاً، ولا خالقاً، ولا رازقاً: ثم حصل كذلك، ولم يلزم من ذلك أن يكون متغيراً، فكذلك هنا، وأما قول العرب: إذا ابيضٌ الجسم بعد سواد إنه قد تغير، فذلك إنما هو لاعتقادهم التغير، والأسامي تتبع الاعتقاد. وإن أردتم التغير الحقيقي وهو أن ذاته صارت غير ما كانت فما دليلكم عليه؟ ثم إنا نقول: لو لم تكن محدثة حكمها حكم سائر صفات الفعل لم يجز إثباتها ونفيها، والمعلوم أنه يجوز ذلك فيقال: يريد ولا يريد.

  قال الإمام أحمد بن سليمان: الدليل على أن إرادة الله تعالى محدثة⁣(⁣١) أنك تقول: الله يريد ولا يريد، كما تقول: يخلق ولا يخلق، ويرزق ولا يرزق، فجاز أن نصفه بصفات الفعل وأضدادها، وليس كذلك صفات الأزل، ألا ترى أن الله تعالى لما كان عالماً فيما لم يزل استحال الجهل عليه.


(١) لكنها عنده # نفس المراد. تمت مؤلف.