تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  قال #: ويؤيد ذلك أن الله تعالى إذا أراد حياة زيد ثم أراد موته أن الإرادة التي هي الموت حادثة، وقد قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥].
  وأما ما تختص به النجارية وبشر فهو أنه قد ثبت أنه تعالى مريد، وباطل أن يكون مريداً بإرادة قديمة؛ لمثل ما ثبت في نفي القدرة والعلم القديمين في حقه تعالى، ولا بإرادة محدثة؛ إذ ليس محلاً للحوادث، ولا يقبح وجودها في محل، فيتعين كون مريديته كعالميته. وأجيب بما سيأتي من إبطال ما زعموا، من إحالة وجود إرادة لا في محل.
  قلت: ولقائل أن يقول: إبطال كونه مريداً بإرادة قديمة أو حادثة لا يوجب تعيين كونه مريداً لذاته؛ لأن القسمة لم تنحصر في هذه الأقسام، لِمَ لم يقولوا كما قال قدماء الأئمة: إنه غير مريد على الحقيقة، وإنما إرادته نفس المراد، ليسلموا من جميع وجوه الفساد، وقد مرَّ أنه يلزم على قول أولئك من اللوازم ما يوجب الحكم عن قولهم بالخروج عن منهج الرشاد، وطريقة السداد.
  وأما ما تختصُّ به الأشعرية فهو الاستدلال بانتفاء الصفة على ثبوت ضدها والعكس(١)، وهذه طريقة يسلكها الأشعري؛ وتحرير الاستدلال بها هنا أن قالوا: الباري تعالى ليس بساهٍ فيما لم يزل ولا غافل، فيجب أن يكون مريداً، واحتجوا على كون الإرادة قديمة بما مرَّ من لزوم التغير على القول بالحدوث.
(١) وهو الاستدلال بثبوتها على انتفاء ضدها. تمت مؤلف.