الفصل الثاني: في تحقيق مسألة أفعال العباد
  فزعموا أنه لم يرد منهم أن يطيعوا رسله، وأن الله أمر بما لا يريد، ونهى عما يريد، وخلقهم كفاراً وقال: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ}[آل عمران: ١٠١] ومنعهم من الإيمان وقال: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ}[النساء: ٣٩] وقال: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى}[الإسراء: ٩٤] وأفكهم وقال: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٧٥}[المائدة]، وصرفهم عن دينه وقال: {أَنَّى يُصْرَفُونَ ٦٩}[غافر].
  فافهموا وفقكم الله ما يتلى عليكم من كتاب الله فإن الله يقول فيه: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}[يونس: ٥٧] ويقول: {لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}[فصلت] ويقول: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ٦}[الجاثية]، ويقول: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الزمر: ٥٥].
  وقال #: وقد بين الله للخلق واحتج عليهم بما بين لهم في كتابه وأمرهم بالتمسك بما في الكتاب، والاقتداء بما عن نبيه جاءهم: (فإنما هلك من كان قبلهم بإعراضهم عن كتاب ربهم، والترك لمن مضى من أنبيائهم من أهل الكتاب وغيرهم، واتقوا الله وانظروا لأنفسكم قبل نزول الموت، واعلموا أنه لا حجة لمن لم يحتج بقول الله فإن الله سبحانه يقول: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت: ٥١].
  وله # من جنس هذا الكلام الكثير الطيب، وهو يدل على صحة الاحتجاج على مسألتنا بالقرآن من وجهين:
  أحدهما: أنه قد احتج به عليها.