المسألة الخامسة [في الإضلال]
  وربما قالوا: هذا حقيقة اللفظ؛ لأن الإضلال عبارة عن جعل الشيء ضالاً. كما أن الإخراج عبارة عن جعله خارجاً. هكذا حقق مذهبهم الرازي، وما ذكره من أنهم ربما قالوا: إن حقيقة الإضلال هو خلق الضلال فيهم، وصدهم عنه هو الظاهر من مذهبهم.
  قال أبو حيان: وإسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد حقيقي، كما أن إسناد الهداية كذلك فهو خالق الضلال والهداية.
  وفي كتب أصحابنا عنهم أنهم ينسبون ذلك إلي الله تعالى علي معنى أنه يغويهم ويصدهم عن الدين وهو الجاري على مذهبهم في أنه تعالى الخالق لأفعال العباد، وأنه لا يقبح من الله تعالى قبيح.
  وإذا عرفت تحقيق مذهبهم فاستمع لما أملي عليك في رده وإبطاله من كلام أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، فأقول:
  أجابت العدلية بأنكم قد اعترفتم بأنه لا يجوز القول بأن الله تعالى دعاهم إلى ترك الدين وقبحه في أعينهم، وإنما المعنى أنه خلق الضلال فيهم، أو صدهم عنه، وحال بينهم وبينه بأي الموانع، وهذا باطل لغة، وعقلاً، ونقلاً. أما اللغة فلأنا قد استوفينا المعاني اللغوية للإضلال في قوله تعالى: {وَلَا الضَّالِّينَ ٧}، ولم ينقل أحد من أئمة اللغة أن خلق الضلال أو الصد عن الدين من معانيه، وإنما المعروف في اللغة أنه يقال لمن منع غيره من أمر على جهة القسر والجبر: إنه منعه وصرفه، ولا يقال: أضله، إلا إذا لبس عليه، وأورد عليه شبهة لا يهتدي معها.