تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  وإذا عرفت هذا كانت هذه الحقائق لصيغة الأمر لا غير، أما الأمر فهو: طلب الفعل من الغير على جهة الاستعلاء، والعبارة عن ذلك، الطلب: قولك افعل، وكذلك سائر الأمور الطلبية من النهي، والاستفهام وغيرهما تحد بالطلب لا بالصيغة، بخلاف الخبر، فإنه نفس اللفظ؛ لعدم معنى الطلب فيه، فلا يعترض به على ذلك، وإن كان يصحبه طلب الإخبار من المخبر فهو في نفسه راجع إلى اللفظ. ثم قال: ويمكن أن يقال: إن العرب لا تعقل معنى الأمر إلا من الصيغة، ولهذا لا يسمون الطلب أمراً ما لم يلفظ. قال: والذي غرهم في ذلك لزوم الطلب للصيغة، وأما إضافة الصيغة إلى الأمر مثلاً في قولنا: صيغة الأمر فجار على منهاج قولهم جرد قطيفه، والأصل صيغة هي أمر.
  قلت: وما جنح إليه الدواري من أن الأمر معنوي إنما يتأتى على مذهب الأشعرية في إثبات الكلام النفسي، وأما على ما ذهب إليه أصحابنا فلا؛ إذ الطلب الذي أشار إليه لا يعقل، ولا دليل عليه؛ وإنما المعقول من لفظ الطلب هو النطق بالصيغة المخصوصة، وهكذا سائر أنحاء الكلام، فإن المعقول منها ليس إلا هذه الحروف والأصوات؛ بدليل أن من علمها وصفها بأنها كلام وإن جهل المعنى النفسي، ومن جهلها لم يصفها بأنها كلام وإن علم المعنى النفسي؛ وقد تقدم الكلام على إبطال الطلب النفسي في الموضع الرابع من السادسة من مسائل المقدمة.