المسألة الرابعة [شبهة الاحتجاج بالآية على نفي عذاب القبر]
  قال قاضي القضاة: أنكر مشائخنا أن يكون عذاب القبر دائماً في كل حال؛ لأن الأخبار إنما وردت بذلك في الجملة، فالذي يقال به هو ما تقتضيه الأخبار دون ما زاد عليه مما لا دليل عليه.
  واحتجَّ الإمام المهدي لأصحابنا بأن في الأدلة ما يقتضي دوامه، وفيها ما يقتضي انقطاعه، فمن الأول قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}[غافر: ٤٦] وهذه وإن كان ظاهره أنهم لا يحرقون بها وإنما يعرضون عليها، فقد دلَّ على إحراقهم وتعذيبهم قوله تعالى: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}[نوح: ٢٥] وحديث: (القبر روضة من رياض الجنة ...) الخبر ونحوه.
  ومن الثاني قوله تعالى: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ...} الآية، فظاهره أنهم لا يعذبون بين الغدو والعشي، وفي بعض الآثار: أنه يقال للمؤمن: (ثم كنومة العروس)، وآثار كثيرة تدل على أنه غير دائم؛ ولا يبعد الإجماع على أن عذاب القبر ليس كعذاب النار في التأبيد والتعظيم، هذا كلام أصحابنا واحتجاجهم.
  وحاصله أنه لا قطع بدوامه ولا انقطاعه.
  وأما غيرهم فقد اختلفوا في ذلك أيضاً، فقال ابن القيم: يدوم عذاب الكفار وبعض العصاة، وينقطع عذاب من خفت جرائمهم من العصاة، وإنما يكون على قدر المعصية، ثم يرتفع، وقد يرتفع بدعاء، أو صدقة، أو نحو ذلك.