مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون 28}

صفحة 2647 - الجزء 4

  فوجب تأويل الاستواء بالاستيلاء وهو استعمال عربي مشهور، وسنوضحه في موضعه إن شاء الله، ومنه قوله:

  قد استوى بشر على العراق ... البيت

  وأما الكرامية فقالوا: لو لم يكن له جهة لكان نفياً محضاً. وتلك الجهة هي جهة فوق؛ لأنها الجهة التي تنزل منها الأوامر والنواهي، والكتب، وإرسال الرسل، ومنها تنزل الرحمة، وإليها يتوجه الدعاء.

  والجواب: أما قولكم: لو لم تكن له جهة لكان نفياً محضاً - فمبني على أن الوجود يستلزم الجهة، وقد تقدم إبطاله.

  وتقريره: أنا لا نسلم أن نفي الجهة يستلزم ما زعمتموه، وإنما يستلزم نفي كونه من جنس العالم، وهو مطلوبنا.

  وأما قولكم: إن الأوامر ونحوها تنزل من جهة فوق - فذلك لا يدل على الجهة؛ وإنما أجرى الله العادة بذلك؛ لما فيه لنا من المصلحة واللطف؛ إذ الأمر الذي نتوقع إتيانه من فوقنا ليس كالذي يأتينا من سائر الجهات، ولأن السماء مسكن الملائكة، وهم رسل الله إلى البشر، والمبعوثون بالرحمة والعذاب، فكان نزول الكتب من تلك الجهة؛ لأن سكانها المأمورون بإيصالها إلى الأرض.

  وأما عبّاد الأهوية⁣(⁣١) فقد ذكرنا شبهتهم. والجواب أنه إنما كان محيطاً


(١) إذا أريد بالهواء الهواء الذي يحتوي على غاز الأكسوجين، وهو الظاهر من كلامهم، لقولهم: وعند انقطاعه الموت - فهذا غير مسلم أنه يحيط بالأشياء، فهو مختص بالكرة الرضية، بل ليس منتشراً في غلافها الجوي كاملاً، فكلما ارتفع انخفظ الأكسوجين، وإن أرادوا القضاء فهو فراغ، وليس كما توهموا، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام.