مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة السادسة [الأصل في الأشياء]

صفحة 2727 - الجزء 5

  قال الإمام المهدي: وجواز ذلك معلوم، وإنما الخلاف في أنه ثابت عقلاً أم سمعاً، فقال أبو هاشم: ثبوته عقلي فإنا نعلم بعقولنا حسن ذلك، واختاره الإمام المهدي.

  وقال أبو علي: لا، وإنما ثبت سمعاً فقط؛ لأن العقل لا يهتدي إلى قدر المنفعة التي يختار الحيوان لو عقل تحمل المشقة لأجلها.

  والجواب: أنه قد ثبت عقلاً تحميلها المشاق لنفعنا، فبالأولى حسنه إذا كان في نفعها، ولا نسلم أن العقل لا يهتدي إلى قدر المنفعة؛ لما مر⁣(⁣١) عن الإمام المهدي وأيضا قد علم حسن تحميل الإنسان نفسه المشقة في طلب نفع نفسه، وعلم حسن ما يتحمله سائر الحيوانات التي تقوم بنفسها من المشقة في طلب ذلك، وكذلك حسن ما يفعله الإنسان من تحميل البهيمة المشقة لنفع نفسها، فإن تدبيره لها مع عجزها وعدم تمييزها كتدبيرها لأنفسها.

  دليل آخر، وهو: أن الشيخين متفقان على أنه يحسن عقلاً تحميلها المشقة لدفع ضرر عنها أعظم مما حملت كإيلامها بالكي ونحوه لدفع ضرر أعظم منه، فكذلك يحسن لدفع ضرر الجوع والعطش ونحوهما⁣(⁣٢)، بل هذه المضار أبلغ من بعض الآلام؛ وما فرق به بين الأمرين، من أن دفع المضرة قد تبلغ الرغبة فيه حد الإلجاء حتى يجب على من يخافها محاولة دفعها بخلاف المنفعة، فإنها تختلف أحوال الحيوانات فيها، فمنها ما لا يهون عليه تحمل المشقة في طلبها وإن جلت ومنها ما يهون عليه ذلك، فلا يهتدي العقل إلى القدر


(١) في قوله: والأقرب ... إلخ. تمت مؤلف.

(٢) كالحر والبرد ومخافة السبع. تمت مؤلف.