تفسير قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمو
  إلى الأضواء(١)، ثم هذه الجواهر منها ما هو بالنسبة إلى الكواكب والأفلاك كنفوسنا الناطقة بالنسبة إلى أبداننا، ومنها ما هو مستغرق في معرفة اللّه وطاعته ولا تعلق لها بشيء من تدبير الفلك، وهؤلاء هم المقربون، ونسبتهم إلى الملائكة المدبرين للسماوات كنسبة أولئك إلى نفوسنا الناطقة. وهذان القسمان(٢) قد اتفقت الفلاسفة على إثباتهما، ومنهم من أثبت أنواعاً ومراتب أخر.
  وحاصل الكلام في ذلك عندهم أنهم أثبتوا الملائكة والجن والشياطين أشياء موجودات، غير متحيزة ولا حالة في المتحيز، بل هي مجردة عن الجسمية، ثم هذه الموجودات قد تكون عالية مقدسة عن تدبير الأجسام، وهم مراتب، أشرفها حملة العرش، ثم الحافون حول العرش، ثم ملائكة الكرسي، ثم ملائكة السماوات طبقة طبقة، ثم ملائكة كرة الأثير، ثم ملائكة كرة الهواء الذي هو في طبع النسيم، ثم ملائكة كرة الزمهرير، ثم الأرواح المتعلقة بالبحار، ثم الأرواح المتعلقة بالجبال، ثم الأرواح السفلية المتصرفة في الأجسام النباتية والحيوانية.
  قلت: والظاهر أن الجن والشياطين داخلون في الأرواح المتعلقة بالبحار ومن بعدهم، وما كان منها خيرة سعيدة فهم المسمون بصالحي الجن، وما كان منها شريرة كدرة فهم الشياطين.
  فهذا ما وقفنا عليه من أقوال الناس في بيان ماهية الملائكة $.
(١) لعله يريد أن البشرية تستمد منها، كما تستمد الأضواء من الشمس. تمت مؤلف.
(٢) وهم المقربون والمدبرون للسماوات. تمت مؤلف.