المسألة الثانية [الدليل على وجود الملائكة]
  وكلها باطلة ما عدا الأول منها، أما الثاني فقد مر إبطالة، وأما سائرها فلا دليل عليها، وسيأتي إن شاء اللّه الرد عليهم مفصلاً عند الكلام على هذه الأجناس التي ادعوها.
  فرع: ولا خلاف بين المسلمين في حدوث الملائكة $ وهو قول غيرهم من أهل الملل، والخلاف في ذلك للفلاسفة القائلين بأنهم العقول المفارقة، فإنهم يذهبون إلى قدمهم، حكاه عنهم ابن أبي الحديد، وهو مبني على أنها ليست بمتحيزة ولا حالة في المتحيز، وهو باطل؛ إذ العالم بأمره(١) لا يكون إلا متحيزاً أو حالاً في متحيز؛ وقد أشرنا إلى هذا في الفاتحة.
المسألة الثانية [الدليل على وجود الملائكة]
  ذهب بعضهم إلى أنه لا دليل على وجود الملائكة إلا من جهة السمع، وهذا هو الظاهر(٢) من كلام علماء الإسلام، فإني لم أجد عن أحد منهم خلافاً في ذلك.
  وذهبت الفلاسفة إلى أن العقل يدرك ثبوتهم، ومن جملة أدلتهم على ذلك أنه قد ثبت أن الملك هو الحي الناطق الذي لا يكون ميتاً، والقسمة العقلية تقتضي وجود أقسام ثلاثة وهي: أن الحي إما أن يكون ناطقاً ميتاً وهو الإنسان، أو ميتاً فقط وهو البهائم، أو ناطقاً ولا يكون ميتاً وهو الملك وهو أشرف المراتب، والإنسان أوسطها،
(١) هكذا في الأصل، ولعلها (بأسره) واللّه أعلم.
(٢) يعنى كون الدليل سمعياً فقط. تمت مؤلف.