تفسير قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمو
  منهم من الشرور، فأجابهم اللّه تعالى بأنه يعلم من الخير الكثير الحاصل منهم ما لا يعلمه الملائكة، وهذا جواب الحكماء، والأولان للعدلية.
  الرابع: أن جوابهم كان على جهة المبالغة في إعظام اللّه تعالى، فإن العبد المخلص لشدة حبه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه.
  الخامس: أن ذلك مسألة منهم أن يجعل الأرض لهم أو بعضها إن كان ذلك صلاحاً؛ فكأنهم قالوا: اجعل الأرض لنا لا لهم، كما قال موسى #: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}[الأعراف: ١٥٥] أي لا تهلكنا، فأجابهم الله بأنه يعلم من صلاح الفريقين ما لا يعلمه الملائكة، وأن المصلحة للملائكة في إسكانهم السماء، ولبني آدم في إسكانهم الأرض.
  السادس: أن هذا الاستفهام خارج مخرج الإيجاب كقول جرير:
  ألستم خير من ركب المطايا
  أي أنتم، وإلا لم يكن مدحاً، فكأنهم قالوا: أنت تفعل ذلك ونحن هذا نسبحك ونقدسك؛ لأنا نعلم أنك لا تفعل إلا الصواب والحكمة، فقال تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٠}[البقرة] فأنتم علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل وأنا علمت ظاهرهم وما في باطنهم من الأسرار الخفية التي تقتضي إيجادهم.
  وأما قولكم: إنهم طعنوا على بني آدم.
  فالجواب: أن من أراد إيراد سؤال وجب أن يذكر موضع الإشكال،