مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية في أقوال الناس في حد العلم

صفحة 2807 - الجزء 5

  قيل: وهذا المعنى هو الذي يقتضيه استعمال اللغة، والعرف، والشرع؛ إذ لا يطلق في شيء منها على الظان والشاك والجاهل جهلاً مركباً أنه عالم، وإلا لزم أن يكون أجهل الناس بما في الواقع أعلمهم به، وإطلاق العلم على التقليد مجاز، وإنما يطلق العلم على هذه الإدراكات في اصطلاح الحكماء.

  واعلم أن تفسيرهم غير الثابت بممكن الزوال ومحتمل النقيض مبني على إثبات النقيض للتصور على ما عليه المناطقة، والمشهور بين جمهور العلماء أن الصورة التصديقية تتصف بالمطابقة لما في نفس الأمر وعدمها، والصورة التصورية لا تتصف إلا بالمطابقة، وما لا يكون إلا مطابقاً فلا يحتمل النقيض.

  فإن قيل: إنكار الخطأ في التصور مكابرة كما إذا رأينا شجرة من بعيد فحصل في أذهاننا منه صورة إنسان، فلا شك أن هذه الصورة غير مطابقة للواقع فيكون خطأ.

  قيل: الخطأ إنما هو في الحكم المقارن لهذا التصور، وهو أن هذه الصورة صورة لهذا المرئي الذي هو الشجرة.

  وأما الصورة المرتسمة في أذهاننا فهي علم تصوري للإنسان، وآلة لملاحظته ومطابقته له بحيث لا يحتمل غيره.

  إذا عرفت هذا فاعلم أن الخلاف في حد العلم وعدمه على كلا المعنيين، وما تقدم من الحدود فإنما هو باعتبار المعنى الأخص إلا الحد المحكي عن الحكماء⁣(⁣١) فإنه بالمعنى الأعم، كما لا يخفى على الفطن.


(١) وهم الفلاسفة ومن نحا نحوهم. تمت مؤلف.