المسألة الثالثة [فضل العلم]
  التي لأجلها صار مستعدا لإدراك حقائق الأشياء والاطلاع عليها.
  الخامس: أن الجاهل كأنه في ظلمة شديدة لا يرى شيئاً، والعالم كأنه يطير في أقطار الملكوت، ويسبح في بحار المعقولات، فيطالع الموجود والمعدوم، والواجب والممكن والمحال، ثم يعرف انقسام الممكن إلى الجوهر والعرض والجوهر إلى البسيط والمركب، ويعرف أثر كل شيء ومؤثره، ومعلوله وعلته، لازمه وملزومه، وكليه وجزئيه إلى غير ذلك حتى يصير عقله كنسخة أثبت فيها جميع المعلومات بتفاصيلها وأقسامها، فأي فضيلة فوق هذه الدرجة الرفيعة، ثم إنه بعد ذلك يصير النفوس الجاهلة عالمة بتعليمه إياها، فيصير كالشمس للعالم، وسببا للحياة الأبدية لسائر النفوس؛ لأنها كانت بسبب الجهل كالميتة؛ ولذلك قيل: الروح بلا علم ميت، وقال [علي] #: «هلك خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر». أو كما قال.
  وأما الأدلة النقلية فأكثر من أن تحصى كتاباً وسنة وإجماعاً، وسيأتي كثير منها إن شاء اللّه في أثناء الكتاب ومنها هذه الآية، ووجه دلالتها أن اللّه تعالى ما أظهر كمال الحكمة في خلق آدم # إلا بإظهار علمه، فلو كان شيء أشرف من العلم مما هو داخل في الإمكان لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء، لا بالعلم. واللّه أعلم.
تنبيه [معنى الفضيلة]
  قد علم مما تقدم بيان معنى الفضيلة، وتحقيق القول في معناها ما ذكره الغزالي وهو: أن الفضيلة مأخوذة من الفضل، وهو الزيادة،