مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}

صفحة 2876 - الجزء 5

  القبلة لا يدل على أنه أفضل من الساجد، بدليل أن الأنبياء كانوا يصلون إلى الكعبة، ولم يلزم أن تكون أفضل منهم، بل قد روي أن المؤمن أفضل منها.

  قلنا: لا نسلم أن المراد بيان تفضيله على الساجد لما سيأتي بمجرد السجود له، بل به مع أمور أخرى، وقول إبليس: كرمت عليَّ، إنما كان بعد المعصية منه، ولا شك في تكريمه عليه حينئذٍ، ولو فرض أنه قاله قبلها فلا نسلم أنه كان من الملائكة، سلمنا فيحتمل تكريمه لكونه قبلة فقط، لا مطلق التكريم، ولا مانع من تفضيله على الملائكة من هذه الجهة.

  وقيل: إن المراد بالسجود الانقياد والخضوع. وقال محمد بن عباد المخزومي: كان سجود الملائكة إيماء. ورد هذان القولان بأن السجود في عرف الشرع هو وضع الجبهة على الأرض، فيجب أن يكون في اللغة كذلك؛ لأن الأصل عدم التغيير، وقد مر نقل هذا المعنى عن أهل اللغة.

  وقال كثير من المفسرين: كان السجود لآدم على وجه التحية والتكرمة له والعبادة للّه تعالى وحده.

  وعن ابن عباس: كانت السجدة لآدم والطاعة للّه، وعنه قال: أمرهم أن يسجدوا فسجدوا له كرامة من اللّه أكرم بها آدم.

  قال النيسابوري تبعاً للرازي: وأصح الأقوال أن السجود كان بمعنى وضع الجبهة؛ لكن لا عبادة، بل تكرمة وتحية كالسلام منهم عليه، وقد كانت الأمم السالفة تفعل ذلك بدل التسليم.