المسألة الثانية [تفضيل الأنبياء]
  إذا عرفت هذا فمعنى التفضيل بين الملائكة $ وبين غيرهم إنما يكون باعتبار كثرة الثواب، وقد نص عليه الإمام المهدي فقال: معنى الأفضلية أنهم أكثر ثواباً، ومثله في شرح ابن أبي الحديد، وهو الظاهر من كلام أصحابنا وغيرهم؛ إذ المقصود بيان الأفضل عند اللّه سبحانه ولا فضيلة عنده تعالى إلا لمن كثرت عنده الأعمال التي يستحق بها الثواب والدرجة العالية، وقد نبه اللّه تعالى على هذا بقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣] وقوله: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى}[سبأ: ٣٧] وقوله: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ}[الكهف: ٤٦] إلى غير ذلك، فهذا ما يتعلق بهذا الموضع من بيان معنى الأفضلية.
  وأما تفصيل الحجج فنقول: احتج أهل القول الأول بحجج عقلية، ونقلية، أما العقلية فمنها ما لا يجري إلا على قواعد الفلسفة ولم يحتج به إلا الفلاسفة، ونحن لا نرضى مذهبهم، ولا نعتمد على احتجاجهم، وإنما ذكرناه للتنبيه على أنه مبني على أساس منهار، وقد استدلوا بوجوه:
  أحدها: أن الملائكة أرواح مجردة في ذواتها عن علائق المادة وتوابعها(١)، فليس شيء من أوصافها وكمالاتها بالقوة، بل كمالاتها كلها بالفعل(٢)، بخلاف هذه النفوس الناطقة الإنسانية فإنها في مبدأ فطرتها خالية عن الكمالات، وإنما يحصل لها منها ما يحصل على سبيل التدريج والانتقال من القوة إلى الفعل والتام أكمل من غيره.
(١) أي ليست مركبة من مواد وما تحتاج إليه المواد من الرباطات ونحوها. تمت مؤلف.
(٢) لكن في مبدأ الفطرة. تمت مؤلف.