تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  الثاني: أن الروحانيات متعلقة بالهياكل العلوية المبرأ من الفساد وهي الأفلاك والكواكب المدبرة للعالم، والنفوس الإنسانية متعلقة بالأجسام السفلية الفاسدة، ونسبة النفوس إلى الروحانيات كنسبة الأجساد إلى الهياكل العلوية، فكما أن الهياكل أشرف كذلك الروحانيات.
  الثالث: أنهم نورانيون والجسمانيات مركبة من المادة، والصورة والمادة طمأنينة مانعة عن الاستغراق في مشاهدة الأنوار الربانية.
  الرابع: أن فيهم قوة على الأفعال العجيبة الشاقة كالزلازل(١)، وإحداث السحب وأمثال ذلك بخلاف الجسمانيات.
  الخامس: أنهم أعلم. لإحاطتهم بما كان في العصر الأول وبما سيكون، وعلومهم كلية؛ إذ لا حواس لهم فعلية؛ لأنها مباد للحوادث حاصلة في ابتداء فطرتهم لتجردهم عن القوة آمنة من الغلط.
  فهذه الوجوه التي احتج بها الفلاسفة وهي مبنية على أن الملائكة $ جواهر قائمة بأنفسها ليست بمتحيزة، وقد أبطلناه في الأولى من مسائل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠] وصححنا أنهم أجسام لطيفة، ثم إنا لا نسلم أن كمالات الملائكة كلها بالفعل، ولا أنهم يعلمون ما كان وما سيكون؛ وأيضاً النزاع بين المتكلمين إنما هو في التفضيل بمعنى كثرة الثواب.
  وبقي من الوجوه العقلية وجه سادس: وهو أن الملائكة عليهم [السلام] مبرؤون عن الشهوة والغضب الذين هما مبدأ الشرور والقبائح،
(١) فإن الزلازل توجد بتحريك الملائكة والسحاب يعرض ويزول بتصرفاتها. تمت مؤلف.