تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  وعن الثاني بأنا لا نسلم سلامة الملائكة عن عوائق بنحو الشهوة والغضب كما مر، سلمنا فلا نسلم أن زيادة المشقة تقتضي التفضيل، بدليل أن بعض الصوفية يتحمل من مشقة العبادة ما لم يتحمله النبي ÷ ولم يقل أحد: إنهم أفضل منه ÷، فثبت أن المشقة في تحمل العمل لا تعتبر إلا مع ما يصحبها من مشقة الإخلاص والمراقبة. وأجاب بعضهم بأن الأشق لا يكون أفضل إلا بعد المساواة في وجوه المصالح ولعل في عبادة الملائكة مصالح لا تحصى، فلا تثبت أفضلية عبادة البشر وإن كانت أشق، ويمكن أن يقال: هذا الجواب احتمال قادح في التيقن لا الظن، فإن كانت المسألة مما يعتبر فيها اليقين فقد أفاد في منع هذا الوجه، وإن كانت مما يكتفى فيها بالظن فلا؛ لأن الظاهر أن الأشق يكون أفضل من دون اعتبار المساواة في المصلحة ولا يلزم تفضيل أعمال الصوفية على أعمال الأنبياء للقطع بأن مشقة أعمال الأنبياء $ أعظم لما ينالهم من مشقة الجهاد، وأذية الأضداد، ومشقة الإخلاص، والمراقبة وغير ذلك.
  وأما الحجج النقلية فآيات متعددة، وستأتي في مواضعها إن شاء اللّه، منها ما اشتملت عليه قصة آدم # في هذه السورة فإنها تدل على تفضيل آدم على الملائكة من وجوه:
  أحدها: أن اللّه تعالى جعل آدم خليفة، له والمراد منه خلافة الولاية بدليل قوله تعالى في داود: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}[ص: ٢٦] ومعلوم أن أعلى الناس منصباً عند الملك من يقيمه مقامه في الولاية.