مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}

صفحة 2952 - الجزء 5

  قلت: هذه الأسئلة وإن لم تكن من كلام إبليس فهي من وسوسته، ومن جملة مكائده التي بها يصد عن طاعة الرحمن ولعلها من عمل بعض البطالين النافين لحكمة أحكم الحاكمين كابن الراوندي ومن حذا حذوه، ولما رآها المجبرة مطابقة لهواهم في نفي حكم العقل تلقوها بالقبول، وقالوا: مثل هذا مما لا تهتدي إلى حله العقول، وقد عرفت إمكان حلها ... وكيفية التخلص من ظلماتها، والحمد لله رب العالمين.

  وأما إشارتهم في هذه الحكاية إلى قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}⁣[الأنبياء: ٢٣] بقولهم عن الله تعالى: لا أسأل عما أفعل فسيأتي معنى الآية في موضعها، وقد مرت الإشارة إليه في الثالثة من المسائل المتعلقة بقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}⁣[الفاتحة] وبما حققناه من عدم صحة هذه الحكاية يظهر بطلان قول من قال: إن إبليس كان كافرا حال اشتغاله بالعبادة من القائلين بالإحباط؛ لأنهم إنما استندوا إلى ظاهر الآية، وقد منعنا الظاهر، وإلى قول شارح الإنجيل: إن الله تعالى أوحى إلى إبليس: إنك ما عرفتني وَمَنْ ماري حتى نصدقه فيما روى؟! ومن أين الطريق إليه؟ ثم من أين لنا أن الرواية صحت له هو في نفسه؟

  وقوله: إنها في التوراة مفرقة مما ينادي عليها بالبطلان؛ لأن اليهود قد حرفوا في التوارة كما أخبر الله عنهم في القرآن، فكيف يجوز الاعتماد على ما فيها والحال هذه؛ هذا مع ما قيل من أنه لا خلاف أن إبليس كان عالماً بالله حال كفره.