مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}

صفحة 3006 - الجزء 5

  عصى الله ومعصيته عمداً ثم تاب وأخلص، واشتهر إخلاصه وتوبته عند الخاص والعام، وظهر صدقه ووفاه، وطهارته وتقاه، أنه لا يجوز أن يرسله الله إلى قوم، بل نقول: إنه قد يمكن ويجوز ذلك.

  واحتج # بأنه قد خرج عن كونه ظالماً أو متهما، كالفاسق، فإنه إذا تاب عند أداء الشهادة لا تقبل شهادته، وإذا تقدمت توبته بزمان طويل قبلت شهادته، واحتج أيضاً بما كان من أولاد يعقوب #. وروي عن ابن عباس أنهم المرادون بقوله تعالى: {وَالْأَسْبَاطِ} وأنهم أنبياء، وادعى إجماع الأمة، بل لم يخالف في ذلك اليهود⁣(⁣١)، واحتج أيضاً بقوله تعالى لموسى: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ...} الآية [النمل: ١١ - ١٠]، وبقوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ١٢٤}⁣[البقرة] والتائب ليس بظالم.

  هذا، وأما ارتكابهم الصغائر قبل البعثة فمن أجاز عليهم الكبائر قبلها أجاز الصغائر بالأولى، وأما من منع الكبائر فإن الظاهر منهم تجويز الصغائر عليهم، وهو الذي رواه الإمام المهدي عن المعتزلة، ونص عليه القرشي، ما لم تنفر عن القبول، كسرقة لقمة، ومهازلة النساء، والتطفيف في الكيل، وكثرة المزاح؛ إذ ارتكاب مثل هذه الكبائر وإن كانت في نفسها صغائر فإنها مما يسترذل مرتكبها، ويتهاون بأمره وينفر عنه، لا شك في ذلك، فأما غير المنفر منها فلا منع منه؛ إذ لا يؤثر في الشك، ولا في التنفير عن القبول.

  قال القرشي: فأما الصغائر التي ليس لها حظ إلا في تقليل الثواب،


(١) أي في كونهم هم الأسباط وكونهم أنبياء. تمت مؤلف.