تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}
  وأما قولهم: لا حكم للعقل فمبني على أصلهم الباطل من نفي الحكم العقلي، وقد مر بطلانه في المقدمة وغيرها، ومن أنصف عرف صحة الدليل العقلي الذي أوردناه.
  فإن قيل: أليس من الجائز أن يعلم الله تعالى أن في بعثة من قد عصى ثم تاب لطفاً لا يكون في بعثة غيره ممن لم يرتكب الكبائر، ويعلم أن تقدم المعصية لا يصرفه عن القبول، وإذا كان ذلك جائزاً فما المانع من تجويز بعثته ولا وجه يقتضي القبح.
  قيل: هذا التجويز بعيد عن الصحة؛ لأن ارتكاب الكبائر قبل البعثة كالجذام ونحوه من الأمور الخلقية في التنفير، فلو جوزنا في بعثة مرتكب الكبيرة لطفاً لجوزنا في بعثة المجذوم لطفاً، والمعلوم ضرورة خلافه الملازمة النفرة عنه، وعدم القبول منه.
  فإن قيل: بين الصورتين فرق، فإن الجذام باق والمعصية غير باقية؛ لأن الفرض أنه قد تاب منها فهي في حكم العلة التي قد زالت.
  قيل: ونحن نجد من أنفسنا النفرة عمن قد تفاحش فيه الجذام والجنون وإن زال عنهما بالكلية، فكذلك يقال في مرتكب الكبائر إذا تاب، وقال الإمام القاسم بن محمد فيما رواه عنه في (البدر الساري): إن في الأنبياء من هو مرسل إلى نفسه كأولاد يعقوب $، وإنها تجوز عليهم الكبائر قبل البعثة، ثم قال: وكذا من أرسل ولم يكن الذنب مكفراً.
  وقال الإمام أحمد بن سليمان: اعلم أنا لا نقطع على من كان