مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3063 - الجزء 5

  فرع: ومن ظن ظناً غالباً أنه ارتكب معصية وجبت عليه التوبة، كما لو علمها نص عليه الإمام الموفق بالله في (الإحاطة)، وأجرى غالب الظن مجرى العلم ثم قال: فعلى هذا إذا ظن أنه ارتكب كبيرة وتناوش معصية يجب عليه أن يندم ويتوب؛ لأنه لا يأمن أن يكون فاعلاً لها فيستحق العقاب. وممن نص على وجوب التوبة من الذنب المظنون الدواري⁣(⁣١). وأما إذا لم يعلم ولا يظن ذنباً فقال الدواري: ذكر بعض علمائنا أن التوبة تجب عليه؛ لأنه يجوز الذنب، وإذا جوزه خشي الضرره ودفع الضرر المخشي واجب، قال: وهذا غير جيد، بل لا تجب عليه التوبة هاهنا؛ لأن التوبة لا تجب إلا إذا علم الضرر أو ظنه، وفي هذه الصورة لا علم ولا ظن، وأكثر ما هو عليه أن يكون شاكاً، ودفع الضرر المشكوك لا يجب.

  فرع: والمعصية قد تعلم أو تظن جملة، نحو أن يعلم أنه قد أذنب ذنباً، ولا يعلم ما تفصيل الذنب، أو تفصيلاً، وهو واضح، فالأول تكفي منه التوبة جملة، فيندم على ما علمه الله من معصية، والثاني يجب عليه التوبة تفصيلاً، فيندم على كل معصية بعينها، فإن علم تفاصيل ما علمه جملة بعد التوبة منه فقال الموفق بالله: لا يجب عليه أن يتوب عن التفاصيل؛ لأنه قد أسقط عنه عقابها بالتوبة كالمعتذر إذا أساء إلى غيره ضروباً من الإساءة، من دون معرفة تفصيلها، فاعتذر إليه ثم علم تفاصيلها، فإنه لا يجب عليه الاعتذار بعد ذلك.


(١) ولم يقيد الظن بكونه غالباً. تمت مؤلف.