المسألة الثانية في التوبة
  قلت: الذي قطع بسقوط العقاب هم أكثر البغدادية، والذي لم يقطع هو أبو القاسم كما يفهم، وذلك من كلام (رياض الأفهام)، وما حكاه في (شرح القلائد) للإمام المهدي عن الحاكم، وهو أنه قال بعد أن حكى ما مر عن البغدادية ما لفظه: قال الحاكم: وهو خلاف في عبارة؛ لأنهم لا يجوزون العقاب بعد التوبة، إلا أنهم يقولون: وجوبه وجوب جود لا استحقاق، ومنهم من قال: بل تفضل محض، بحيث كان يجوز أن يعاقب التائب لولا منع السمع من ذلك حيث ورد بأن التايب لا يعاقب، وإلى هذا المذهب ذهب الشريف المرتضى الموسوي.
  قلت: القائل بأنه تفضل محض هو أبو القاسم كما في (رياض الأفهام) وحكى فيها عنه أنه قال: لو عوقب تائب لم يكن ظلماً، وإنما لم يعاقبه لأنه أصلح. والحجة على أنها تسقط العقاب من وجوه:
  أحدها: أنها نظير الاعتذار، والمعلوم أن الاعتذار الصادق في الشاهد يسقط الذم على الإساءة، ولم يكن للمجني عليه أن يذمه بعد ذلك، ولا وجه له سوى أنه اعتذر إليه، فكذلك التوبة، والجامع ما مر، إن لم يكونا جنساً واحداً.
  الثاني: أنها لو لم تكن مسقطة للعقاب لكان يجب أن يحسن من الله أن لا يتفضل، بل يعاقب؛ لأن التفضل هو الذي لفاعله أن يفعله وأن لا يفعله، والمعلوم خلافه، لا يقال: إنه تعالى يتفضل لا محالة؛