تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}
  قالوا: تلزمكم المساواة بين من استمر على المعاصي ثم تاب وبين من عصى معصية واحدة فقط ثم تاب ومات؛ لأنها قد أسقطت ما قبلها بنفسها وبقي لهما ثوابها.
  أجاب النجري بأنا نلتزم ذلك، ونفرق بينه وبين ما ألزمناه أبا علي في مسألة الموازنة أن سقوطه المعصية هنا بالجب، لا بالموازنة، والمعصية هنا صارت كالمعدوم، فيستوي من سلف له معصية واحدة ومن سلف له معاصي متعددة؛ إذ صار كل منهما كأنه لم يعص بخلاف مسألة الموازنة فإن السقوط فيها بمجرد الموازنة والمقابلة من الجانبين، فلم يجز تساوي من أحسن وأساء، ومن أساء فقط.
  قلت: تحقيق الإلزام في مسألة الموازنة أن أبا علي لا يقول بالموازنة، بل يقول بالإحباط، وعلى مقتضى مذهبه أنه يلزم المساواة بين من قطع عمره في الطاعة ثم مات على كبيرة وبين من بلغ أوان التكليف فمات على مثل تلك الكبيرة، فيلزمه استواء عقابهما، والمعلوم أنه لا بد من فرق بينهما لئلا تذهب تلك الأعمال الصالحة مبتدأ(١) وقد فعلت على وجهها، وإنما طرأ عليها ما هو أعظم منها، ولا سبيل إلى الفرق بينهما إلا بما ذكره أبو هاشم من القول بالموازنة وهو أنه يسقط من عقاب تلك الكبيرة بقدر ثواب تلك الأعمال الصالحة، ثم يستحق النار بباقي عقابها، بخلاف الآخر فإنه يستحق النار بجميع عقاب تلك الكبيرة، ولا يسقط منه شيء، وإلا لما كان ما ذكروه هنا من لزوم
(١) هكذا في الأصل، ولعلها (سُدى) والله أعلم.