المسألة الثانية في التوبة
  فنستحله من دماء من قتلنا من أصحابه، فقال #: (إن الله قد أحبط أعمالكما بندمكما على ما فعلتما(١)).
  قال النجري: فحصل من جميع ما تقدم أن الثواب لا يسقط إلا بشيئين، الموازنة بالعقاب، أو الندم على الطاعة على الوجه المذكور، والعقاب لا يسقط إلا بشيئين: الموازنة بالثواب، والتوبة عن المعصية: هذا بعد الشرع، وأما قبله فقد كان يجوز أن يسقط بالعفو.
تنبيه: [في كون التوبة طاعة]
  قد علم من كلام أصحابنا في وجوب التوبة واختلافهم في كونها مسقطة للعقاب بنفسها أو بكثرة ثوابها - أنها من جملة الطاعات التي يستحق عليها الثواب، وظاهر (المواقف) وشرحها أن في ذلك اختلافاً؛ لأنه قال ما لفظه: اختلف في كون التوبة طاعة.
  قال الآمدي: الظاهر أن التوبة طاعة واجبة فيثاب عليها؛ لأنها مأمور بها، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا}[النور: ٣١]، والأمر ظاهر في الوجوب، لكنه غير قاطع الجواز أن يكون رخصة وإيذاناً بقبولها، ودفعاً للقنوط لقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا}، {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣] هكذا عبارته، وهي تفيد أن ثمة من يخالف في الوجوب ويقول: إنها رخصة، ولا يتأتى نفي الوجوب إلا على مذهب الأشعرية؛ لأنهم ينفون حكم العقل وهو أحد أدلة الوجوب، ولأنهم لا يقطعون بدخول الفساق النار، ويحكمون بخروج
(١) أظن الإمام رواه من طريق أبي علي الجبائي. تمت مؤلف.