المسألة الثانية في التوبة
  من دخلها منهم، وعلى هذا لا يكون لوجوب التوبة مقتضي؛ لأنه لا التفات منهم إلى ما حكم به العقل من وجوبها لأجل دفع الضرر لنفيهم حكمه ولا قطع عندهم بالضرر، وعلى هذا فلا تكون واجبة؛ لكنه يقال: عدم الوجوب لا ينفي كونها طاعة؛ لأن أقل أحوالها الندب والمندوب طاعة يثاب عليها، اللهم إلا أن يكون مرادهم بكونها رخصة أنها مباحة يستوي فعلها وتركها فيقال لهم: إذا فقد بطلت تلك الأوامر، واتفقت فائدتها وفائدة الترغيب في التوبة بنحو {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}[البقرة: ٢٢٢] وما في معناها كتاباً وسنة.
  نعم ويتفرع على القول بوجوب التوبة الكلام في العاصي إذا لم يتب هل يستحق العقاب بتركها كما يستحقه بترك سائر الواجبات، فقال أبو علي والأكثر: إنه يستحق العقاب على ذلك، وقال أبو هاشم: لا، إنما يستحق عقاب المعصية التي وجبت عليه التوبة لأجلها.
  احتج الأكثر بأنها واجب مضيق كسائر الواجبات المضيقة، فكما أنه يستحق العقاب بالإخلال بالواجب المضيق كذلك في التوبة، وأيضاً عدم العقاب عليها ينقض وجوبها.
  احتج أبو هاشم بأن وجه وجوب التوبة إنما هو إسقاط عقاب المعصية.
  قلنا: لا نسلم، بل وجه وجوبها كوجه وجوب الاعتذار، وهو التلافي لما فرط منه فيكون وجه وجوبها كوجه وجوب قضاء الدين، فكما وجب قضاؤه لكونه جبرا لما قبض من حق الغريم، فكذلك تجب التوبة لكونها جبراً وتلافياً لما وقع منه.