مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية في التوبة

صفحة 3082 - الجزء 5

  الصورة الثانية: من ذكر ذنباً لم يكن قد تاب منه بعينه وكان قد تاب من الذنوب جملة، فقال أبو علي، والإخشيدية: يجب عليه تجديد التوبة، وقال أبو هاشم: لا وإن فعل فحسن.

  حجة أبي علي في الصورتين: أن علة وجوب التوبة قبح الفعل، وإذا كان هو العلة فهي علة باقية مستمرة فيجب استمرار التوبة لحصول العلة، وإلا كان مصراً على القبيح، وفسر الإصرار بترك التوبة، فعلى هذا يقال: وجبت التوبة لقبح تركها، وهو الإصرار؛ إذ هو ضدها عنده، وإن كان قد فسر الإصرار مرة بالثبات على المعصية، ومرة بالعزم على فعلها، وأما تقييده وجوب التجديد بالذكر؛ فلأنه لا تكليف على غير الذاكر، فالنسيان رافع للتكليف.

  حجة أبي هاشم: أن وجه وجوب التوبة كونها دفعاً للضرر، وقد اندفع بأول توبة فلا يجب تجديدها وإن حسن.

  واحتج الآمدي بأنا نعلم بالضرورة أن الصحابة ومن أسلم بعد كفره كانوا يتذاكرون ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر، ولا يجددون الإسلام ولا يؤمرون به، فكذلك الحال في كل ذنب وقعت التوبة منه.

  وأجابوا عن حجة الأولين بأنه لو كان وجه الوجوب ما ذكرتم للزم أهل الجنة تجديدها؛ لأن قبح ضدها مستمر في الجنة وغيرها، والمعلوم أنه لا تكليف بوجه. ويتفرع على هذا الخلاف خلاف في دليل وجوب التوبة على الأنبياء، فقال أبو علي: دليل وجوب التوبة عليهم عقلي،