مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية في التوبة

صفحة 3113 - الجزء 5

  احتج الجمهور بوجوه:

  أحدها: أن التوبة بذل الجهد في تلافي ما وقع، حتى يصير في الحكم كأنه لم يفعل المعصية، وما هذا سبيله فلا يحتاج في إسقاطه العقوبة أن يوافي به الآخرة، نظيره الاعتذار فإن من اعتذر اعتذاراً صحيحاً سقط عنه الذم، سواء أساء مرة أخرى أم لا، فكذلك التوبة.

  الثاني: أن سبب استحقاق الثواب والعقاب إنما هو فعل الطاعة والمعصية لا غيره، وإذا كان كذلك فلا يصح توقف الاستحقاق على غير سببه⁣(⁣١)؛ إذ لا وجه يقتضي ذلك.

  الثالث: أن المعلوم شرعاً وجوب تعجيل القطع بالسرقة عقوبة، وكذلك المعلوم شرعاً جواز لعن الفاسق والاستخفاف به ولم ينتظر الموافاة في استحقاق العقاب بالقطع واللعنن، فكذلك غيرهما مما يستحق⁣(⁣٢).

  احتج المخالف بأن التائب موعود بالجنة وعداً مطلقاً، ووعد الله لا خلف فيه، فلو لم يشترط الموافاة لدخله الخلف، وكذلك يقال في الوعيد على أصلهم، إنه ورد مطلقاً، فلو علم الله أنه يوافي مؤمناً للزم الخلف فيه، وقد تقدم لهم معنى هذا في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}⁣[البقرة: ٢٥]، وأجبنا عليهم هنالك.

  ونقول هنا والجواب أن الوعد والوعيد في نفس الأمر مشروط بأن لا يقع إحباط ولا تكفير، قبل الموافاة.


(١) وذلك الغير هو الموافاة. تمت مؤلف.

(٢) كالثواب والعقاب. تمت مؤلف.