المسألة الثانية في التوبة
  والحجة على ذلك من وجوه:
  أحدها: أن التراخي عنها إصرار على الذنب؛ إذ الإصرار ليس إلا ترك التوبة بعد وجوبها، والإصرار في نفسه كبيرة.
  الثاني: أن العبد مخاطب بترك المعصية في كل وقت فليس تركها بغير فعلها إلا التخلص منها، ولا يكون إلا بالتوبة؛ فوجبت فوراً.
  الثالث: أنها مأمور بها، والأمر يقتضي الفور عند بعضهم.
  الرابع: أن الله تعالى قد أمر بالمسارعة إلى المغفرة، فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران: ١٣٣] ونحوها، والمراد اطلبوا المغفرة من ربكم، وطلبها إنما يكون بالتوبة، أو بما يقوم مقامها من الطاعات على رأي(١).
  الخامس: ما جاء في السنة من ذم التسويف بالتوبة، وذلك يدل على وجوب المسارعة إليها، هذا مع أني لا أعلم قائلاً بجواز التراخي فيها، ولعل القائلين بأن الأمر للتراخي أو المطلق الطلب يخصصون التوبة بهذه الوجوه.
  فإن قيل: إذا كانت التوبة على الفور فهل تصح وتقبل إن تراخي العاصي عن الإتيان بها؟
  قيل: نعم تقبل مدة العمر، وإن كان عاصياً بالتأخير ما لم تحضره ملائكة الموت فإذا حضرته لم تقبل، وإنما قبلت منه لبقاء التكليف
(١) أي على رأي من يقول: إن بعض الطاعات تكفر الكبائر. تمت مؤلف.