تفسير قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون 41}
  وقد مر في مسألة بيع المصاحف أن كثيراً من السلف من الصحابة وغيرهم كانوا يكرهون أن يأخذوا لكتاب الله ثمناً.
  إذا عرفت هذا فالأولى أن يقال: العمل بالدليلين هو الواجب مهما أمكن، وهاهنا الجمع ممكن بلا كلفة؛ بأن تحمل الآية وما في معناها على تحريم أخذ العوض على كل أمر واجب يتعلق بالقرآن من تعليمه، وتبليغ أحكامه المستنبطة منه؛ لأن الواجب منه يجب تبليغه لوجهه، أو محظور، كالتحريف والتبديل. والكتم لأحكامه، ونحو ذلك مما يتعلق به من هذين النوعين(١)، لأن الأخذ على أحد هذين الوجهين يكون من أكل أموال الناس بالباطل، ويحمل حديث ابن عباس وما في معناه كأحاديث الرقية على جواز أخذ العوض على ما يصح تعلقه بالقرآن من الأمور التي ليست بواجبة ولا محظورة كالرقية والتلاوة ونحوهما مما يمكن تعلقه به على هذا الوجه، ويدخل في ذلك كتابته بالأجرة، وهذا جمع حسن يقتضيه العقل والشرع.
  أما العقل: فلأنه لا قبح في أخذ العوض على ما هذا حاله، وأما الشرع: فلأنا لم نجد فيه منعاً من أخذ العوض على ما ليس بواجب ولا محظور، يعلم ذلك من ضرورته مع ما فيه من الجمع، وعدم الإهمال، واعتبار عموم لفظ الحديث وهو أولى من قصره على سببه الذي هو الرقية، وكون سبب الحديث(٢) مما لا يتصف بالوجوب مما يؤيد هذا الجمع. والله الموفق.
(١) يعني الواجب والمحظور. تمت. مؤلف.
(٢) أعني قوله: أحق ما أخذتم عليه ... إلخ. وسببه الأخذ على الرقية. تمت. مؤلف.