مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 45 الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون 46}

صفحة 3566 - الجزء 6

  قلت: أما إطلاقه على الظن فلا نسلم امتناعه؛ لما مر.

  القول الثاني: أن يحمل اللفظ على ظاهره، وهو الظن الحقيقي وفيه وجوه:

  أحدها: أن يجعل من مجاز الحذف ويكون المراد من ملاقاة ربهم ملاقاة ثوابه أو حسابه، وذلك معلوم لا مظنون.

  ثانيها: أن يراد بالملاقاة الموت من باب إطلاق المسبب على السبب؛ لأن الموت سبب في ملاقاة الرب سبحانه، ووقته غير معلوم. إلا أنه متوقع كل لحظة توقعًا راجحًا عند المؤمن؛ لأنه قطع أمله، أو أنه يحب لقاء الله، (إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت).

  ثالثها: أن المعنى الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم بظنونهم، فإن الإنسان الخاشع قد يسيء الظن بنفسه. فيغلب على ظنه أنه يلقى الله تعالى بذنوبه، فعند ذلك يسارع إلى التوبة، وذلك من صفات المدح، ويجوز أن يقدر ملاقاة عقابه، لأن المؤمن الخاشع قد يغلب عليه الخوف حتى يكون تجويز العقاب عنده راجحًا وهاهنا قول ثالث، وهو حمل اللفظ والملاقاة على الظاهر، الذي هو تجويز وقوع اللقاء والبعث تجويزًا راجحًا لأن الإيمان بلقاء الله هو الذي يوقف المعتقد عند حدوده، ولو لم يكن الاعتقاد يقينيًا؛ إذ من غلب على ظنه أن هذا الشيء ضار فإنه يتجنبه، أو أنه نافع فإنه يطلبه، وقد مر أن دفع الضرر المظنون واجب عقلًا، ولهذا جعله بعض أئمة الأصول دليلًا على وجوب العمل بالآحاد. وهذا اختيار بعض المتأخرين.