مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الرابعة: [الظن في مسائل الاعتقاد]

صفحة 3565 - الجزء 6

  وقد ذم غيرهم على مثله، فلا بد من التأويل، وللعلماء في تأويلها قولان:

  أحدهما: أن الظن فيها بمعنى اليقين، وهذا مروي عن جماعة من السلف، منهم أبو العالية، ومجاهد، والسدي، وابن جريج؛ ويؤيده قراءة ابن مسعود: يعلمون، بدل يظنون؛ وهذا الاستعمال مجاز مشهور.

  قال ابن جرير: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن يحصى، وقد قال تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}⁣[الكهف: ٥٣] والمراد علموا ضرورة؛ لأن العلم في الآخرة ضروري، وسبب هذا المجاز اشتراك العلم والظن في رجحان الاعتقاد، وإن افترقا بكون العلم مانعًا في النقيض، والظن غير مانع منه، فلما اشتبها من هذا الوجه صح إطلاق أحدهما على الآخر.

  وفي المصابيح: أن الظن يقوم مقام العلم فيما طريق جنسه المنافع والمضار، وقد مر قريبًا وفي الثانية من مسائل قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}⁣[البقرة: ٣١] أن العلم يستعمل بمعنى الظن، وظاهر كلام الرازي وغيره أن ذلك مجاز، وقد مر، وأنه يطلق عليه بالاشتراك، وأما صاحب المواقف وشارحها فقالا: إن إطلاق العلم على الظن ونحوه من الإدراكات وتسميتها علمًا كما ذهب إليه الحكماء اصطلاح مخالف لاستعمال اللغة والعرف والشرع؛ إذ لا يطلق في شيء من استعمالاتها على الظان والشاك والواهم أو الجاهل جهلًا مركبًا أنه عالم، ويلزم أن يكون أجهل الناس بما في الواقع أعلمهم به.