المسألة الثانية: [ذكر المراد من تفضيل بني إسرائيل]
  قلت: ويشهد له قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠].
  الثاني: أن يكون لفظ العالمين عامًا في الموجود ومن سيوجد. لكنه مطلق في الفضل، والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة، فالآية تدل على أنهم فضلوا على العالمين في أمر ما، وهذا لا يقتضي أن يكونوا أفضل من كل العالمين في كل الأمور، بل لعل غيرهم أفضل منهم في أكثرها؛ وحاصل هذا أن اللفظ عام، والنعمة التي فضلوا بها مخصوصة؛ وقد اختلف في تعيينها، فقال المرتضى: هي ما من الله به عليهم من بعثة موسى #، وإنقاذهم به من الكفر والنيران، وتخليصه إياهم من الذل والهوان من فرعون اللعين، وإهلاكه بعد أن تبعهم وطلبهم. وقيل: هي ما ذكره الله في قوله: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ٢٠}[المائدة]، وهذا اختيار الرازي.
  الثالث: أن المراد بالعالمين الجم الغفير من الناس، يقال: رأيت عالمًا من الناس ويراد به الكثرة. وعلى كل قول لا يلزم منه التفضيل على هذه الأمة؛ لأن من قال بالعموم خص النعمة، ولا يلزم التفضيل على كل عالم بشيء خاص التفضيل من جميع الوجوه، ومن قال بالخصوص فوجه عدم التفضيل مطلقًا ظاهرٌ.