المسألة الثالثة: [في الأصلح]
  والمصلحة الدنيوية هي ما تفضل الله به علينا، من الأموال وأنواع النبات والثمار، والأولاد والصحة وغير ذلك مما لا يكون فيه لطف ولا مفسدة.
  الموضع الثاني: في ذكر الخلاف. ذهبت البصرية إلى أن المصالح الدنيوية إذا لم يكن فيها لطف غير واجبة على الله تعالى، وبه قال الإمام المهدي، والقرشي والرازي وغيرهم من أصحابنا، وحكاه القرشي عن جمهور أهل الحق. وقالت البغدادية(١): بل تجب. ثم اختلفوا فقال أبو القاسم البلخي: وجوب جود لا أنه حق للغير كالدين، وقال سائر أصحابه: بل واجب كالدين. فيستحق الذم بتركه. وحكى القرشي عنهم أنهم يقولون بوجوب ما كان أصلح، أي أنفع، حتى حكموا بوجوب ابتداء الخلق، ووجوب التكليف، ونحو ذلك مما يعده أصحابنا تفضلًا قال: وفيهم من طرد هذه القضية في الشاهد أيضًا، فحكم بوجوب الأصلح من فعل العباد(٢).
  الموضع الثالث: في أدلة الجمهور. ولهم على ما ذهبوا إليه أدلة:
  أحدها: أن هذا إيجاب ما لا دليل عليه، وإثبات ما لا دليل عليه يفتح باب الجهالات. كما مر، وتوضيحه أن مجرد كون الشيء نفعًا لا ينبغي في وجوبه، بل لا بد من أحد ثلاثة وجوه:
  أحدها: أن يختص بوجه لأجله يجب، نحو رد الوديعة، وشكر المنعم، ونحوهما.
(١) لم ينسبه القرشي إلا إلى بعضهم، ولعله أراد من عدا أبا القاسم. تمت. مؤلف.
(٢) لعله أراد أن العبد إذا كان يعلم أنه يحصل له من السفر إلى مكة مثلًا ربح ألف وإلى غيرها ربح الفين فإنه يجب عليه السفر الذي يحصل به الألفان. تمت. مؤلف.